مقالات لدكتور أنس عبد الرحمن

قصة تركيب جسر لإبن الفلاح و قصتي مع الحليب والصدق في التعامل

  • حتى يتمكن أطباء الأسنان في سورية من الترخيص لفتح عيادة في المدينة يجب قبل ذلك فتح عيادة في القرى والأرياف لمدة عامين ، وأنا كنت من هؤلاء الأطباء وقد كانت خدمتي في ريف المدينة لمدة عامين متواصلين
  • التقيت بالكثير من الوجوه التي تحمل قصصاً مختلفة. ولكن قصة الفلاح وابنه ستظل محفورة في ذاكرتي. كان الفلاح رجلاً قوياً، عيناه تحملان عمراً من العمل الشاق والتعب، ومع ذلك، كان وجهه يشع فخراً وهو يقدم لي ابنه الشاب. الابن، طالب قانون في عامه الثالث، كان يحلم بمستقبل مشرق كمحامٍ بارز. كان والده يرى فيه الأمل، المستقبل الذي لم يحالفه الحظ لتحقيقه
  • قال لي ….أعرفك بإبني المحامي ( مع أنه كان في السنة الثالثة ) وكان فخور به جداً وقال أريد أن أعمل له جسر لأن أحد الأسنان الأمامية قلعت من قبل ، وحينها ذكرت له الأنواع والأسعار ، فلم يكن معه أو لم يكن يستطيع دفع مبلغ تغليف جسر البرسلان وأراد أن يركب لأبنه عندي نوع من أنواع الجسور الغير جيدة والتي تغير لونها بعد فترة ( في تلك الفترة طبعا لم يكن أحد يستخدم الزيركون والإيماكس لانه بالاساس لم يكن معروف ) ، وحاولت أن أنصحه أن يعدل عن هذه الفكرة أو أن يؤجل الموضع إلى وقت أخر يكون عنده مبلغ كافي لصنع نوع جيد من جسور السيراميك الذي لا يتلون مع مرور الوقت ….. ولكن بدون فائدة هو ليس عنده إلا هذا المبلغ ليعمل له الجسر ، وعندما هممت بالحفر وتصغير الأسنان ،فكرت في هذا الشاب الذي سيكون في يوم من الأيام محامي أو قاضي وفكرت في الأبتسامه والتلون الأصفر والأخضر التي سيكون فوق الجسر ( بسبب تلون سطح الجسر) فقلت له إن هذه النوعية غير جيدة ولسوف تتلون وأن مظهره سكون أسوء من المظهر الحالي ، فقال أنا لا أملك سوى هذا المبلغ ، وخطر لي ان اسأله وسألته :يا أخي أنت ماذا تعمل ، قال لي : فلاح عندي أرض وابقار وأعتاش منهم … فكرت ثم فكرت وقلت له ما رايك أن تأتي لي كل يومين بعشرة ليترات من الحليب إلى أن توفيني المبلغ الذي يترتب عليك من الزيادة في السعر بين الذي سيعمله إبنك ( الجسر الرديئ ) وبين الجسر السيراميك الذي لا يلون …فقال بعد مضض نعم لا مشكلة في ذلك
    وبالفعل تم أخذ المقاس وتركيب جسر له من النوع الجيد على أمل أن يأتيني بالحليب الذي يضعه عند جاري الفقير ( صاحب دكان صغيرة ) حيث طلبت الفلاح ان يسلمه كل يومين عشرة لترات من الحليب لأني أنا لا أحتاجهم ، وبالفعل جاء هذا الفلاح ووضع الحليب عند الجار الفقير وعندما وزن الجار الحليب وجد أن الحليبات أنقص من الكمية التي إتفقت معه عليها فقال له الجار الفقير الوزن 7 ليتر مع أنك قلت أن الوزن الذي جلبته هو 10 ليتر فقال له الفلاح في المرة القادة أتيك ب 10 لترات في المرة القادمة جاء له بالكمية وعندما أخذها إلى البيت وجد أن الحليب فيه نسبة كبيرة من الماء حتى أنه لم يصلح لصنع اللبن الزيادي ، وواجهه بالحقيقة عندما أتهاه في المرة الثالثة وقال له كيف أن الحليب فيه ماء ……. ومن بعد هذه المواجة بالحقيقة لم اراه ولم يراه الجار الفقير منذ تلك اللحظة
    أحببت ذكر هذه القصة أن تفهموا كم أنا كنت معه صادق ومتفاني من أجل مصلحة ابنه وكم كان هذا الفلاح غشاش ؟
  • كتبها لكم الدكتور انس عبد الرحمن من دفتر ذكرياته

زر الذهاب إلى الأعلى
Verified by MonsterInsights